إليك أيتها الغالية، أيتها
الأم أيتها الزوجة أيتها الجوهرة المصونة، إلى صاحبة البيت ربة البيت، إليك
هذه الوصايا تكون لك نبراساً يضيء لك عُش الزوجية، ليكون عُشاً هادئاً
ومكاناً تسوده المحبة والسكينة والألفة، إليك هذه الوصايا ترضين بها ربك
تبارك وتعالى، وتسعدين بها زوجك، وتحفظين بها بيتك من التصدع:
الوصية الأولى: تقوى
الله والبعد عن المعاصي: فإذا أردت أن تعشش التعاسة وتفرخ في بيتك، فاعصي
الله -تبارك وتعالى-، فإن المعاصي تهلك الدول، وتزلزل الممالك، وتهلك الحرث
والنسل، ولا تكوني كفلانة عصت الله، فقالت نادمة باكية بعد أن طلقها
زوجها: جمعتنا الطاعة وفرقتنا المعصية، أيتها الكريمة: احفظي الله يحفظك،
ويحفظ لك زوجك وأولادك، فالطاعة تجمع القلوب وتؤلف بينها، والمعصية تمزق
القلوب وتشتت شملها،
إذا كنت في نعمة فارعها *** فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد *** فرب العباد سريع النقم
وقال رب العالمين: (وَمَا
أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن
كَثِيرٍ) [سورة الشورى: 30]، لذلك كانت إحدى الصالحات إذا وجدت من زوجها
غلظة ونفرة، قالت: أستغفر الله، ذلك بما كسبت يداي ويعفو عن كثير، فالحذر
الحذر من المعاصي والمنكرات بجميع أشكالها، خاصة هذه الأعمال:
- ترك الصلاة، أو التهاون في
أدائها، فقد قال الله: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ
مِنَ الْمُصَلِّينَ) [سورة المدثر: 42-43] - الابتعاد عن مجالس الغيبة
والنميمة، والرياء والسمعة، وانتقاص الآخرين والسخرية منهم، قال الله-
تبارك وتعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن
قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء
عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا
تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ
وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ
الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا
أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ
وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) [سورة الحجرات:
11-12]، وقال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يدخل الجنة
نمام))، وفي رواية: (قتات)[1]، ومعنى قتات أي نمام.
- تجنب الخروج إلى الأسواق بغير ضرورة وبدون محرم، وترك التبرج والسفور.
- التقصير في تربية الأولاد وعدم الاهتمام بهم، وترك تربيتهم للخادمة ولو كانت كافرة.
- التشبه بالكافرات، في اللباس والزينة وفي كل شيء فمن تشبه بقوم فهو منهم [2].
- مشاهدة الأفلام الخليعة، واستماع الأغاني وقراءة المجلات الهابطة.
- إهمال الزوج، أو التقصير في حقه، أو معصيته.
- مصاحبة الفاجرات والفاسقات
قال الله: (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا
الْمُتَّقِينَ) [سورة الزخرف: 67]، فمصاحبة الفاجرات والفاسقات سبب في
الوقوع في المعاصي والمنكرات، وكما قيل: الصاحب ساحب.
الوصية الثانية:
التعرف على الزوج: عليك أيتها لزوجة الذكية أن تحاولي التعرف على شريك
حياتك فتحاولين تلبية كل ما يحب، وتجتنبين كل ما يكره مالم يكن ذلك معصية
لله تبارك وتعالى، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
الوصية الثالثة:
الطاعة المبصرة للزوج وحسن المعاشرة: عليك أن تعلمي أن حق الزوج عليك عظيم
لقول النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو كنت آمراً أحداً أٍن
يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)[3]، وأول هذه الحقوق الطاعة في غير
معصية الله، وحسن عشرته، وعدم معصيته قال - عليه أفضل الصلاة والسلام -:
((اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما: عبد آبق من مواليه حتى يرجع، وامرأة عصت
زوجها حتى ترجع))[4]، ولذلك قالت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - تعظ
النساء: "يا معشر النساء لو تعلمن بحق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن
تمسح الغبار عن قدمي زوجها بخد وجهها" [5].
أمة الله: بطاعتك لزوجك وحسن
معاشرته تكونين بإذن الله- تبارك وتعالى -من خير النساء، فقد قيل: يا رسول
الله أي النساء خير؟ قال: ((التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا
تخالفه في نفسها ولا مالها بما يكره))[6]، واعلمي أنك من أهل الجنة بإذن
الله إن اتقيت الله، وأطعت زوجك لقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((المرأة
إذا صلت خمسها، وصامت شهرها، وأحصنت فرجها، وأطاعت زوجها، فلتدخل من أي
أبواب الجنة شاءت))[7]، فطاعتك لزوجك هي طاعة لله تبارك وتعالى؛ لأنه هو
الآمر بطاعة الزوج.
الوصية الرابعة: القناعة:
نريد من المرأة المسلمة أن ترضى بما يُقسم لها قل أو كثر، فلا تطلب من
زوجها مالا يستطيع عليه، أو مالا تمس الحاجة إليه من الكماليات، ولك أن
تتأملي أختي المسلمة أدب نساء السلف رضي الله عنهن، كانت إحداهن إذا هم
زوجها بالخروج من البيت أوصته وصية، وليت شعري ما هذه الوصية؟!
إنها كانت توصيه وصية غالية
غابة عن الكثير من نساء هذا الزمان إلا من رحم ربي، فتقول له: "إياك وكسب
الحرام، فإنا نصبر على الجوع ولا نصبر على النار" [8].
الوصية الخامسة:
حسن تدبير شؤون البيت: ومن حسن التدبير المرأة الصالحة تربية الأولاد،
وعدم تركهم للخادمات أو المربيات، ونظافة البيت وحسن ترتيبه، وإعداد الطعام
في الوقت المناسب، ومن حسن التدبير أيضاً أن تضع المرأة مال زوجها في أحسن
موضع، فلا تسرف في الزينة، وتجعل جل اهتمامها في الكماليات حتى إنها ربما
أخلت بالضروريات.
إذا خرج زوجك للعمل وجلب
الرزق عليك أن تهيئ البيت وتقومي بترتيبه، وعند وصوله أعدي له الطعام الشهي
والماء البارد، واستقبليه في أحسن زينة وكأنك عروس، واستقبليه بقبلة حارة
حتى يذهب عنه ما وجد من عناء التعب في عمله، وإذا أراد القيلولة والراحة
كنت له خير معين.
الوصية السادسة:
الإحسان إلى أهل الزوج وأقاربه: عليك أيتها الزوجة المباركة أن تحسني إلى
أقارب زوجك، وخاصة أقرب الناس إليه أمه وأباه، فتتوددي إلى أمه وتتلطفي
معها، وتظهري الاحترام لها، وتتحملي أخطاءها، وتنفذي في غير معصية الله-
تبارك وتعالى -أوامرها ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وكم من البيوت اليوم
دخلها الشقاق والخلاف، بسبب سوء تصرف الزوجة تجاه أم زوجها وعدم رعايتها
لحقها تذكري يا أمة الله أن التي سهرت وربت هذا الرجل الذي هو زوجك الآن هي
هذه الأم فاحفظي لها جهدها، وقدري عملها حفظك الله ورعاك.
الوصية السابعة: عليك
أن تشاركي زوجك في أحاسيسه ومشاعره، وتقاسميه همومه وأحزانه: إذا أردت أن
تعيشي في قلب زوجك فعيشي همومه وأحزانه، وهناك امرأة ظلت في قلب زوجها حتى
بعد وفاتها، لم ينسه الزمان حبها، ولم يمح تطاول الدهر أثرها في قلبه، بل
ظل ذكرها في فمه، يذكر مشاركتها له في محنته وشدته في ابتلائه وكربته، حتى
أن زوجته الثانية غارت منه ذات يوما فقالت: "ماغرت على امرأة للنبي - صلى
الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة، هلكت قبل أن يتزوجني، لما كنت أسمعه
يذكرها" [9]، وقالت عائشة - رضي الله عنه -: "ما غرت على أحد من نساء النبي
- صلى الله عليه وسلم - ما غرت على خديجة، وما رأيتها، ولكن كان النبي -
صلى الله عليه وسلم - يكثر ذكرها، وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم
يبعثها في صدائق خديجة، فربما قلت له كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلا
خديجة فيقول: ((إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد))"[10]، وقال بعد أن
قالت له عائشة - رضي الله عنها -: ما تذكر منها وقد أبدلك الله بها خيرا:
((ما أبدلني الله بها خيراً منها، صدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها
إذ حرمني الناس، ورزقني الله منها الولد إذ لم يرزقني من غيرها))[11].
إنها خديجة - رضي الله عنها -
التي ثبتت للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وشجعته، وأعطته كل ما تملك تحت
تصرفه من أجل تبليغ دين الله للعالمين.
وسجلت مولتها الشهيرة في
دواوين السنة والسير التي جعلت النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم -
مطمئناً بعد خوف، وفرحاً بعد اكتئاب، لما نزل عليه الوحي لأول مرة: "والله
لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم وتعين على
نوائب الحق"[12]، أمة الله: اقتدي بأمك خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها
وأرضاها- وتشبهي بها، إن التشبه بالكرام فلاح.
الوصية الثامنة: شكر
الزوج على أعماله: أيتها الزوجة المباركة عليك ألا تنسي فضل زوجك وشكره،
فإن من لم يشكر الناس لا يشكر الله، وإياك أن تكوني من اللاتي لو أحسن
إليها زوجها الدهر كله ثم رأت منه شيئاً تكرهه قالت: ما رأيت منك خيراً قط،
فقد قال النبي الكريم - صلى الله عليه وسلم - في من هذا حالها: ((رأيت
النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن))، قيل أيكفرن بالله؟ قال: ((يكفرن
العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر ثم رأت منك شيئاً قالت:
ما رأيت منك خير قط))[13]، وشكر الزوج يكون ببسمة منك صادقة تقع في قلبه
فيهون عليه بعض ما يلقاه من تعب في عمله، أو بكلمة منك ساحرة تظهرين فيها
حبك له، أو بهمس منك بالعين.
الوصية التاسعة:
عليك بكتمان أسرار زوجك وستر عيوبه: أنت أيتها الزوجة موطن سر الزوج، كيف
لا وأنت ألصق الناس به، وأعرفهم بخصائصه وأسراره، فحافظي على أسراره،
واستري عيوبه، ولا تظهريها إلا لمصلحة شرعية كالتظلم عند القاضي أو المفتي
أو من ترجين نصحه.
أيتها الكريمة: هذه
وصايا ونصائح من محب صادق أقدمها إليك رغبة في الابتعاد عن المشاكل في
الأسر، وأعتقد أنك إذا عملت بهذه الوصايا فإن المشاكل ستتقلص لحد كبير أولا
تكاد توجد بإذن الله تبارك وتعالى، وفق الله الجميع لرضاه، وجنبنا سخطه،
وألف بين كل زوجين، وأسعدهما بمنه وكرمه، والحمد لله رب العالمين.