أن يكون أساس بناء هذه الأسرة هو القرآن الكريم والسنَّة النبوية والالتزام بهما، قال تبارك وتعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 97].
فالإيمان والعمل الصالح هما من أعظم أسباب السعادة والأمان والاطمئنان، وإذا لم يكن الإيمان هو الأساس، والعقيدة الإسلامية الصَّحيحة هي القاعدة، عند ذاك تفتقد الأسرة مقومات الحياة الطيِّبة، وأسباب الأمن والطمأنينة، ووسائل الكرامة والفلاح، وبتحقيق الإيمان والعمل الصالح تسعد وتَنعم في حياتها؛ فلا قلق ولا مشاكل ولا اضطراب.
إخوة الإسلام، على الزوجين قبل الزَّواج أن يفهما أن الزواج حياة جديدة غير الحياة التي قبلها، وأن الاختيار يتم لشخص يرافق حياته؛ فهو لا يَشتري سلعةً من السوق إن أعجبته وإلا ألقى بها وأخذ أخرى.
ولذلك فقد اهتمَّ الإسلام اهتمامًا بالغًا باختيار الزوجة الصالحة، ومن الخطأ أن يتنازل الرجل عن أهمِّ مواصفات الزوجة - وهو الدِّين - على حساب وجود الجمال أو المال أو الحسَب، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تُنكَح المرأة لأربع: لمالها، ولحسَبها، وجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدِّين ترِبَت يداك))[1].
قال القرطبي رحمه الله: "هذه الأربع الخصال هي المُرغبة في نِكاح المرأة، وهي التي يقصدها الرجال من النِّساء، فهو خبرٌ عما في الوجود من ذلك، لا أنه أمرٌ بذلك، وظاهره إباحة النِّكاح لقصد مجموعة هذه الخصال، أو لواحدة منها، لكن قصد الدِّين أولى وأهم"[2].
عباد الله، ذات الدِّين مطيعة لربِّها ثم لزوجها، لا تتعالى عليه، تراها ساعية في راحة زوجها، قائمة على خِدمته، راغبة في رضاه، حافظة لنفسها، يدها في يد زوجها، لا تنام إذا غضِب عليها زوجها حتى يرضى؛ كل ذلك ليقينها بأن فوزها بالجنَّة معلَّق بطاعة زوجها مع قيامها بما فرض الله عليها.
يقول عليه الصلاة والسلام: ((لو كنتُ آمِرًا أحدًا أن يَسجد لأحد، لأمرتُ المرأةَ أن تسجد لزوجها))[3]، قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وليس على المرأة بعد حقِّ الله ورسوله أوجَب من حقِّ الزوج"[4].
وينبغي على المرأة أن تختار صاحب الديانة والخلق لكي تسعد معه، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 32].
وقال رسول الهدى صلى الله عليه وسلم: ((إذا خطب إليكم مَن ترضَون دينه وخُلقه، فزوِّجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض))[5]، فقد أمر النَّبي في هذا الحديث بتزويج مَن كان مرضي الدِّين والخُلق، وهذا يدلُّ على أنه مَن كان فاسد الدين سيِّئ الخُلق لا ينبغي تزويجه.
إخوة الإسلام، مما يرطب الحياة الزوجية، ويجعلها محفوفة بالسعادة، محوطة بالهناء: أن ينظر الرجل إلى المرأة قبل الخطبة؛ ليعرف جمالَها الذي يدعوه إلى الإقدام على الاقتران بها، أو قبحها الذي يَصرفه عنها إلى غيرها، واقتناع كِلا الطرفين لا يتأتى إلا بعد رؤية كليهما للآخر والتعرُّف عليه.
فعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنه خطب امرأة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((انظر إليها؛ فإنَّه أحرى أن يؤدم بينكما))[6]؛ أي: أحرى أن تدوم المودَّة بينكما[7].
والحازم لا يدخل مدخلًا حتى يَعرف خيرَه من شرِّه قبل الدخول فيه، قال الأعمش: "كل تزويج يقع على غير نَظر، فآخره همٌّ وغم"[8].
عباد الله، من أسباب سعادة الأسرة التخفيف في المهور؛ فقد رغَّب النبي صلى الله عليه وسلم في تخفيف الصداق، فقال: ((خير الصَّداق أيسره))[9].
وقد كان مهر الرسول صلى الله عليه وسلم لزوجاته أمَّهات المؤمنين ومهر بناته ومهر الصحابيات رضي الله عنهن لم يتعدَّ اثنتي عشرة أوقية.
فعن أبي سلمة بن عبدالرحمن، أنه قال: سألتُ عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم: كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونَشًّا، قالت: أتدري ما النَّش؟ قال: قلت لا، قالت: نصف أوقيَّة، فتلك خمسمائة درهم، فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه[10].
ومع هذا فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو وأزواجه أسعدَ الناس، فليست المباهاة في المهور والمفاخرة بها من أسباب سعادة الزوجين.
أيها المسلمون، مما لا تتم السعادة الزوجية إلا به، تحبب كل من الزوجين إلى صاحبه، وإظهار صِدق المودَّة، وتبادل الكلمات الحنونة؛ فإن ذلك أحسن ما تَستقيم به أحوال الزوجين، وأفضل ما تبنى عليه حياتهما، ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الروم: 21].
ولما مدح الله حُورَ الجنَّة ذَكَر من جميل أوصافهنَّ كونهن: ﴿ عُرُبًا أَتْرَابًا ﴾ [الواقعة: 37].
"والعروب: هي المرأة المتحبِّبة إلى بعلها بحسن لَفظها، وحسن هيئتها ودلالها وجمالها ومحبتها، فهي التي إن تكلَّمَت سبَتِ العقول، وودَّ السامع أن كلامها لا ينقضي، خصوصًا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة والنغمات المطربة، وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحًا وسرورًا"[11].
وقد حثَّ النبي صلى الله عليه وسلم على تزوج الوَدود؛ وما ذلك إلا لمعرفته عليه الصلاة والسلام أن ذلك من أسباب السعادة الأسرية، فعن معقل بن يسار رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبتُ امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلِد، أفأتزوجها؟ قال: ((لا))، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: ((تزوَّجوا الودودَ الولود؛ فإنِّي مكاثِر بكم الأمم))[12].
والحياة الزوجية التي يُفقد من قاموسها الكلمات الطيبة الجميلة، والعبارات الدافئة - حياة قد أفلت أنجم السعادة فيها.
أمر الله سبحانه وتعالى الأزواج أن يعاشروا زوجاتهم بالمعروف، فقال: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، قال ابن كثير: "أي: طيِّبوا أقوالكم لهن، وحسِّنوا أفعالكم وهيئاتكم بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228]"[13].
عباد الله، لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم هو المثل الأعلى في التواضع مع أهله؛ حيث كان عليه الصلاة والسلام لا يأنف أن يقوم ببعض عملِ البيت، ومساعدة الأهل في ذلك، تُسأل عائشة رضوان الله عليها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: "كان يكون في مِهنة أهله، فإذا حضرَت الصلاة خرج إلى الصلاة"[14].
أيها المسلمون، مَن أراد السعادة في أسرته، فعليه القيام بما أمره به الله تبارك وتعالى من القيام بالحقوق الزوجيَّة، والله تبارك وتعالى يقول: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19]، ويقول: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 228].
فهناك حقوق للزوج على زوجته، وأصل هذه الحقوق قوله تبارك وتعالى: ﴿ الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ﴾ [النساء: 34]، وقوله: ﴿ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ﴾ [البقرة: 228].
واعلموا عباد الله، أن تَنازل الرجل عن قوامته أمر يُشقي المرأة ولا يُسعدها، ومن أجل استقرار الحياة الزوجيَّة لا بد أن تكون القوامة للزوج، فهذا أمر الله وشرعُه.
وعلى الزوجة أن تطيع زوجها بالمعروف، فعن الحصين بن محصن رضي الله عنه، أنَّ عمَّةً له أتت النَّبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: ((أذات زوج أنتِ؟))، قالت: نعم، قال: ((كيف أنتِ له؟))، قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: ((فانظري أين أنتِ منه؛ فإنَّما هو جنَّتك ونارك))[15].
وعليها ألا تأذن لأحد في بيته إلا بإذنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تَصُم المرأة وبعلها شاهدٌ إلا بإذنه، ولا تأذن في بيته وهو شاهدٌ إلا بإذنه))[16].
والمرأة في بيت زوجها مسترعاة على ما فيه، وأنفس ما في بيت الرجل ماله وأولاده، فهي أمانة بيد المرأة يجب عليها تمام حفظها ورعايتها.
عباد الله، أوجب الله حقوقًا للزوجة على زوجها؛ وما ذلك إلا لتدوم السعادة بينهما، فأوجب للمرأة المهرَ، قال سبحانه: ﴿ وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً ﴾ [النساء: 4].
وأوجب لها النَّفقة والسكن، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [البقرة: 233].
وقال: ﴿ أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ ﴾ [الطلاق: 6].
وعن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه قال: قلتُ: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: ((أن تطعمها إذا طعمتَ، وتكسوها إذا اكتسيتَ أو اكتسبت، ولا تَضرب الوجهَ، ولا تُقبِّح، ولا تَهجر إلا في البيت))[17].
وعليه أن يعاشِرها بالمعروف؛ امتثالًا لقوله تبارك وتعالى: ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ [النساء: 19].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذِّكر الحكيم، أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوًا أحد، نحمده جلَّ جلاله، ونثني عليه الخير كله بما هو أهله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا وإمامنا محمدًا عبد الله ورسوله، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين بإحسان إلى يوم الدين.
عباد الله، التناصُح بين الزوجين له دور كبير في الارتقاء بمستوى الأسرة، وإنارة درب السلامة من الوقوع في الخطأ، ومن المؤسف أن يرى بعض الأزواج أن من غير الطبيعي أنْ تُناصِحَ الزوجةُ زوجَها، وهذا خطأ ظاهر، وهدم لعشِّ الزوجية وسعادة الأسرة.
والحياة الزوجية مبناها على التآلف والتراحم والتعاون فيما بين الزوجين، وكل من الزوجين يَسعى لإسعاد الآخر، سواء كان ذلك بالقول الحسن أو الفعل الحسن.
إخوة الإسلام، التشاور بين الزوجين من أسباب سعادتهما، خصوصًا فيما يتعلَّق بشؤون البيت، وتدبير أمر الأسرة، ومصالح الأولاد وحاجاتهم، فليس من الحِكمة أن يستبدَّ الرجل برأيه ولا يلتفت إلى مشورة امرأته، بحجَّة أن استشارتها أو العمل برأيها قادح في رجولته، ومنقص من قوامته.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة؛ فقد كان يَستشير زوجاته، ففي البخاري أن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يوم الحديبية: ((قوموا فانحَروا ثم احلقوا))، قال - راوي الحديث -: فواللهِ ما قام منهم رجلٌ حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يَقم منهم أحدٌ، دخَل على أمِّ سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبيَّ الله، أتحب ذلك؟ اخرج ثمَّ لا تكلِّم أحدًا منهم كلمة، حتى تنحر بُدْنَك، وتدعو حالقَك فيحلقك، فخرج فلم يُكلِّم أحدًا منهم حتى فعل ذلك؛ نحر بُدنه ودعا حالقه فحلقه، فلما رأوا ذلك، قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد بعضهم يقتل بعضًا غمًّا[18].
وعلى الزوج أن يستمع إلى نَقد زوجته بصدرٍ رحب، فقد كان نساء النَّبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه في الرأي فلا يغضب منهنَّ.
عباد الله، الواقعيَّة في الحياة الزوجية من أهمِّ الأمور الجالبة للسعادة بين الزوجين، فعلى المرأة المسلمة أن تراعي طاقة زوجها، وعليها أن ترضى باليسير، وشر ما اتَّصفت به المرأة الشراهة وكثرة المطالب، وهذا لا يزيدها من زوجها إلا بُعدًا، ولا من قلبه إلا بُغضًا.
وقد هجر النبي صلى الله عليه وسلم أزواجَه شهرًا لما سألنَه في النفقة، وأكثرنَ عليه فيها، حتى أنزل الله سبحانه قوله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 28، 29].
فخيَّرهنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاخترنه[19].
وعلى الرجل ألَّا يكون شحيحًا على أهله، مقترًا عليهم، بل ينفِق عليهم من سعته، ولا يكلِّف الله نفسًا إلا ما آتاها، ﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ ﴾ [الطلاق: 7].
عباد الله، التروي والحكمة أمرٌ مهمٌّ لسعادة الأسرة، وانظروا كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع أهله بحِكمة وتروٍّ، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه، فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يدَ الخادم، فسقطت الصحفة فانفلقَت، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فِلَقَ الصحفة، ثم جعل يجمع فيها الطَّعام الذي كان في الصحفة ويقول: ((غارت أمُّكم))، ثم حبس الخادم حتى أُتي بصحفة من عند التي هو في بيتها، فدفع الصحفةَ الصحيحة إلى التي كُسرت صحفتها، وأمسك المكسورة في بيت التي كَسَرت[20].
فانظر إلى هذه الأناة وتلك الحكمة من هادي البشريَّة في معالجة الخلافات، واحتواء المشكلة قبل أن تكبر وتتعاظم.
عباد الله، اعلموا أنَّ الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56].
والحمد لله رب العالمين.